تمهيد:

يسعى الانسان إلى تحقيق مجموع الغايات و الأهداف التي تتنوع بتعدد المجالات و المواقف، و تنتقل مما هو فيزيائي إلى ما هو سلوكي عملي، مرورا بالجواني السيكولوجية و العقلية و الاجتماعية، محاولة تفسيرها و إيجاد الضوابط و القواعد التي تحكمها على شكل صيغ و قوانين و نظريات تحدد العلاقات التي تحكمها و الكيفيات التي تسير بها، فما هي الآليات المتبعة في الكشف عن حقيقة الموضوعات و الظواهر؟ و هل التجربة و العلم كافيان لفهمها و تفسيرها أم نلجأ إلى الطريقة الفلسفية لفهمها؟ وما العلاقة التي تحكم العلم و الفلسفة ؟

تعريف الفلسفة:

Ø     من حيث الاشتقاق:

Philosophie  مصطلح إغريقي لاتيني يعني محبة الحكمة، و يعد فيثاغورس أول من استعمل هذا اللفظ و هي كلمة دخيلة على اللغة العربية. استعمل العرب الأوائل طيلة 3 قرون مصطلح الحكمة دلالة على الفلسفة، و الحكيم هو الفيلسوف الذي يجمع بين الطب، الرياضيات، الفلك، الفقه، النحو...

Ø     بالعامية:

هي وجهة نظر أو رؤية فكرية شاملة اتجاه الكون و الانسان.

Ø     اصطلاحا:

·        هي العلم بالمبادئ الأولى لظواهر الوجود و تحديد عللها القريبة و البعيدة.

·        عرّفها طالس على أنها المعرفة بأصل الوجود و الصانع و تحديد عناصره الأولى الأربع ( الماء، الهواء، التراب، النار).

·        و عرّفها ابن رشد بأنها البحث في المصنوعات، فكلما كانت معرفتنا بهاته المصنوعات أدق كانت معرفتنا بالصانع أتم، و يقصد بها أن الفلسفة نشاط تأملي فكري يبحث في طبيعة المخلوقات التي عبّر عنها بالمصنوعات و يقصد بها كل الظواهر الطبيعية الجامدة و الحية، من الذرة كأصغر شيء (في وقتهم) إلى المجرة أو العالم الفسيح كأبر مخلوق لتحديد مكوناتها الأساسية و الثانوية، أسباب وقوعها و دوافع حدوثها، الآليات التي تحدث بها، الضوابط التي تحكمها و العلاقات التي تربطها، آثارها و تأثيراتها على كل المستويات ... فكلما توصل الانسان إلى المعرفة الأدق و الأصح تمتنت علاقته بخالق تلك المصنوعات. نستخلص من هذا التعريف تأثر ابن رشد بالآية الكريمة: " إنما يخشى الله من عباده العلماء ".

·        و عرفها الفرابي بالبحث في المطلق، أي أنها بحث شامل يتجاوز الواقع المحسوس إلى ما وراء هذا الوجود.

·        و هي تفكير نقدي حول كل المشكلات التي تواجه الانسان عمليا أو التي ترتبط بالمعرفة البشرية، أو هي نشاط ذهني يتخذ تفسيرا كليا حول الانسان و العالم.

·        و عرّفها ياسبارس ( فيلسوف ألماني) على أنها مجموعة من التساؤلات الموجهة لكل الموضوعات (الكونية و الانسانية) و الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة لأنها تولد و تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات غير المنتهية.

·        هي الدراسة العقلية التأملية للأمور و الأشياء بناءً على المعارف الواسعة و اتباعا لمنهج عقلي رصين.

من خلال ما قدم من تعريفات مختلفة للفلسفة يتبين الاختلاف الشاسع و الفرق الواسع بين تلك التعريفات انطلاقا من أسباب و دوافع متباينة تقسم إلى قسمين كبيرين:

أ‌.        راجع إلى الفلاسفة:

فالفلاسفة بذواتهم متمايزون و يتميزون بخصائص ينفرد بها كل واحد عن الآخر، و تشمل تلك الخصائص المجالات المعرفية و المنهجية، و طبيعيا يتأثر كل فيلسوف ببيئته الاجتماعية و الثقافية، الاقتصادية و المادية، العقيدية و الدينية. فكل فيلسوف له منهجه الخاص و أسلوب تفكيره المحض و الذي ينتج عنه طريقة المعالجة و الاستنتاجات و التفسيرات المقدمة لحقيقة القضايا و المسائل و وضع التفسيرات للمصطلحات و الكلمات.

ب‌.    راجع إلى الفلسفة بحد ذاتها:

أمّا ما يخص الفلسفة، فالفلسفة كحقل معرفي تختلف في أشياء عن بقية الحقول المعرفية الأخرى، فهي تمتاز بالشمولية تحمل دراسة كل الموضوعات الكونية الطبيعية و البشرية الحية فلا يوجد أي علم أو فن أو أدب أو معتقد إلا و طرقته الفلسفة تحليلا، دراسة و تعليلا ثم أنها تتصف بالروح العقلية المجردة، فمن الصعوبة ضبط موضوع عقلي عكس الموضوعات المحسوسة التي يمكن ضبطها مخبريا، و أنها نسبية أي أن كل النظريات و التفسيرات الفلسفية قديما أو حديثا ليست مطلقة و دقيقة نهائيا و هي معرضة للزيادة أو النقصان، القبول أو الرفض.

موضوع الفلسفة:

يهتم العلم بدراسة الظواهر الجزئية الموجودة في الواقع الملموس، بينما الفلسفة تهتم بدراسة القضايا الكلية و الشاملة، صفة الشمولية لم تمنع الفلاسفة و العلماء من تقسيم موضوع دراستها إلى عدّة تقسيمات من أبرزها التقسيم الأكاديمي و الذي يقسمها إلى ثلاث مباحث كبرى:

Ø     الوجود: تدرس الفلسفة كل ما يحتويه الكون من ظواهر و أجسام و مجرات و عناصر و كائنات وما تعرفه من تفاعلات وما تحدثه من علاقات و تأثيرات من أجل تفسيرها وكشف جوهرها بطرح مجموعة من التساؤلات حول طبيعة هذا الوجود الفيزيائي أو الانساني. ففي الوجود المادي الفيزيائي تطرح الأسئلة حول: ما الوجود؟ ما هي بداياته؟ ما هي كيفيات حدوث مجرياته ؟ ما تأثيراته ؟ ما مصيره ؟ أمّا الوجود الإنساني فتطرح الأسئلة حول هذا الانسان بذاته ، من يكون؟  ما هي غاياته؟ هل هو حر مطلق ؟ ما دوره اتجاه الغير؟

Ø     المعرفة:  وهي تبحث في انتاج المعرفة بالوجود حول حقيقتها من زيفها بطرح تساؤلات للبحث و الكشف حول طبيعتها، دواتها، مناهجها، نتائجها، حدودها... و تبيان هل هي احتمالية شكية أم يقينية مطلقة، علمية أو لا علمية، ذاتية أو موضوعية، واقعية أم خرافية.

Ø     القيم: يهتم بالمثل العليا و القيم المطلقة مثل: الحق، الخير، الواجب، الجمال... من جهة أخرى: الباطل، الشر، القبح، البشاعة.... و يطرح أسئلة حول حقيقة هذه المعاني، هل هي عقلية مجردة أم يوجد ما يقابلها في الواقع و يتفرع هذا القسم إلى: المنطق، الأخلاق، علم الجمال.

منهج الفلسفة:

يقصد بالمنهج الطريق الذي يتبعه الباحث وفق خطوات للوصول إلى حقيقة الأشياء، و منهج الفلسفة عقلي تأملي يقوم على الخطوات التالية:

·        ضبط التصور و طرح الاشكال ( في المقدمة ).

·        إقامة البرهنة ( في التوسيع ).

·        الاستنتاج ( في الخاتمة ).

‌أ.        ضبط التصور :

و هو تحديد الموضوع ضمن الإطار الذي ينتمي إليه سواء كان سياسيا، إجتماعيا، علميا، أخلاقيا..

‌ب.    طرح الاشكال :

تبيان المشكلة التي يطرحها السؤال أو النص، و يطرح الإشكال على صيغتين، إمّا على شكل سؤال واحد مثل: ما الشخصية؟ أو على شكل مجموعة من التساؤلات المتسلسلة منطقيا مثل: ما المقصود بالشخصية ؟ هل هي وراثية أم مكتسبة ؟ و كيف نقوّم شخصياتنا؟

‌ج.     إقامة البرهنة:

و هو تحليل المشكلة المعالجة و تدعيم الموقف المؤيد أو المعارض بالحجج و البراهين و الأدلة و الشواهد، و تبيين نقائص الرأي المخالف.

‌د.       الاستنتاج:

و هو الخروج بخلاصة عامة حول المشكل المعالج مع إدخال موقفك الشخصي من تلك القضية.

خصائص السؤال الفلسفي:

يتميز السؤال الفلسفي عن الأسئلة العلمية و الأدبية و الفنية بعدة عوامل، بدءًا أن الأسئلة الفلسفية تكون وليدة الرغبة النفسية أو الميولات الفردية، أو أنها وليدة الحاجة لتلبية الرغبات في هذا الوجود. و الأسئلة الفلسفية إحراجية تعجبية تثير الدهشة و تضع الانسان حائرا في مواجهة الأمور فهما، تفسيرا، معالجة و تطبيقا ومن الخصائص التي تمتاز بها الأسئلة الفلسفية كذلك أنها تكون مبنية على مصادر معرفية و منهجية، و أن تكون هادفة لبلوغ غايات متعددة وأن لا تكون تعجيزية أو مطرحة لإظهار قوة شخص على الآخر و أن تكون يقظة، محفزة، سليمة لغويا و منهجيا. 

أهداف الفلسفة:

تقترن الحضارات بالتقدم في كل المجالات: العلمية، الفلسفية، التقنية، السلوكية، الأخلاقية... فالفلسفة من حيث أنها حقل معرفي، نظري و تجريبي فلا تخلو من أهداف تسعى إلى تحقيقها إمّا على المستوى الفردي أو الجماعي، القريب أو البعيد، و من تلك الغايات الأساسية أنها تسعى إلى :

·        الكشف عن حقيقة الظواهر الكونية، المادية، الفيزيائية، و البشرية الحية.

·        الكشف عن الأسرار و القوانين التي تسير الظواهر الجامدة و الحية.

·        تعمل على تنوير الرأي العام اتجاه مختلف القضايا و المسائل الاجتماعية، السياسية، التربوية و الاقتصادية.

·        تطوير القدرات العقلية و الذهنية للأفراد.

·        نقد، تصويب، تقييم و تقويم النظريات العلمية.

·        تجاوز الصعوبات و العراقيل التي تحد من تطور المجتمع.

·        ترسيخ القيم في الحياة العامة.

·        أخذ العبر و الدروس من الماضي (فلسفة التاريخ).

·        الاستفادة من التجارب الاقتصادية السابقة و الفاشلة.

خصال الروح الفلسفية:

‌أ.        حب المطالعة:

و تعني المعرفة الشاملة لكل المجالات سواء الطبيعة أو الانسانية أو الدينية  ... و التي تمثل الأرضية الخصبة لتعلم التفلسف و طرح الاشكالات في كل الميادين.

‌ب.    التأمل:

و هي الصفة التي تتميز بها الفلسفة عن العلوم بحيث تعتمد على التأمل العقلي بالبحث عن الأسباب البعيدة للظواهر و الأشياء و عدم الاكتفاء بالنظرة السطحية. و الكشف على الأسباب المباشرة و القريبة فقط، أي تعتمد التدبر العقلي.

‌ج.     الشك:

و يقصد به الشك المنهجي أي إعادة النظر في كل ما يقال أو يطرح فالفيلسوف لا يتقبل الأفكار بالبداهة بل يعيد ترتيبها و قراءتها من جديد و نقدها، و الشك ميزة مرّ بها كل من الفيلسوف ديكارت و أبو حامد الغزالي بالأساس.

‌د.       التعجب:

ترتبط هذه الصفة بما تثيره دراسات و مؤلفات الفلاسفة على الملتقى من دهشة حيرة لما تحمله من قوة في الأسلوب و البيان و دقة في الحجج و البراهين.

‌ه.       التسامح:

و هي الصفة الواجب توفرها في كل باحث من حيث المبدأ و الاقتناء، فالفيلسوف لا يفرض أفكاره غلى الآخرين، بل يتركها للنقاش و الجدل و الاقتناع.